NAFS

فصل في معرفة النفس
MENGENALI NAFS
اعلم أن مفتاح معرفة الله تعالى هو معرفة النفس،
قال سبحانه وتعالى: }سَنُريهِم آياتِنا في الآفاقِ وَفي أَنفُسِهِم حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُ الحَقُّ{
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
 من عرف نفسه فقد عرف ربه
وليس شيء أقرب إليك من نفسك،
فإذا لم تعرف نفسك،
فكيف تعرف ربك؟
فإن قلت: إني أعرف نفسي!
فإنما تعرف الجسم الظاهر،
الذي هو اليد والرجل والرأس والجثة،
ولا تعرف ما في باطنك
من الأمر الذي به إذا غضبت طلبت الخصومة،
وإذا اشتهيت طلبت النكاح،
وإذا جعت طلبت الأكل،
وإذا عطشت طلبت الشرب.
والدواب تشاركك في هذه الأمور.
فالواجب عليك أن تعرف نفسك بالحقيقة؛
حتى تدرك أي شيء أنت،
ومن أين جئت إلى هذا المكان،
ولأي شيء خلقت،
وبأي شيء سعادتك،
وبأي شيء شقاؤك.
وقد جمعت في باطنك صفات:
منها صفات البهائم،
ومنها صفات السباع،
ومنها صفات الشياطين،
ومنها صفات الملائكة،
فالروح حقيقة جوهرك وغيرها غريب منك،
وعارية عندك.
فالواجب عليك أن تعرف هذا،
وتعرف أن لكل واحد من هؤلاء غذاء وسعادة.
فإن سعادة البهائم في الأكل، والشرب، والنوم، والنكاح،
فإن كنت منهم فاجتهد في أعمال الجوف والفرج.
وسعادة السباع في الضرب، والفتك.
وسعادة الشياطين في المكر، والشر، والحيل.
فإن كنت منهم فاشتغل باشتغالهم.
وسعادة الملائكة في مشاهدة جمال الحضرة الربوبية،
وليس للغضب والشهوة إليهم طريق.
فإن كنت من جوهر الملائكة،
فاجتهد في معرفة أصلك؛
حتى تعرف الطريق إلى الحضرة الإلهية،
وتبلغ إلى مشاهدة الجلال والجمال،
وتخلص نفسك من قيد الشهوة والغضب،
وتعلم أن هذه الصفات لأي شيء ركبت فيك؛
فما خلقها الله تعالى لتكون أسيرها،
ولكن خلقها حتى تكون أسرك،
وتسخرها للسفر الذي قدامك،
وتجعل إحداها مركبك،
والأخرى سلاحك؛
حتى تصيد بها سعادتك.
فإذا بلغت غرضك فقاوم بها تحت قدميك،
وارجع إلى مكان سعادتك.
وذلك المكان قرار خواص الحضرة الإلهية،
وقرار العوام درجات الجنة.
فتحتاج إلى معرفة هذه المعاني؛
حتى تعرف من نفسك شيئاً قليلاً؛
فكل من لم يعرف هذه المعاني فنصيبه من القشور؛
لأن الحق يكون عنه محجوباً.





فصل كيف تعرف نفسك؟
BAGAIMANAKAH MENGENALI NAFS
إذا شئت أن تعرف نفسك،
فاعلم أنك من شيئين:
الأول: هذا القلب،
والثاني: يسمى النفس والروح.
والنفس هو القلب الذي تعرفه بعين الباطن،
وحقيقتك الباطن؛
لأن الجسد أول وهو الآخر،
والنفس آخر وهو الأول.
ويسمى قلباً.
 وأما حقيقة القلب، فليس من هذا العالم،
لكنه من عالم الغيب؛
فهو في هذا العالم غريب،
وتلك القطعة اللحمية مركبة،
وكل أعضاء الجسد عساكره وهو الملك،
ومعرفة الله ومشاهدة جمال الحضرة صفاته،
والتكليف عليه، والخطاب معه،
وله الثواب، وعليه العقاب،
والسعادة والشقاء تلحقانه،
والروح الحيواني في كل شيء تبعه ومعه.
واعلم أن الإنسان في صورة ابن آدم اليوم،
وغداً تنكشف له المعاني،
فتكون الصور في معنى المعاني.
فأما الذي غلب عليه الغضب،
فيقوم في صورة الكلب.
وأما الذي غلب عليه الشهوة،
فيقوم في صورة الخنزير؛
لأن الصور تابعة للمعاني.
وإنما يبصر النائم في نومه ما صح في باطنه.
وإنما عرفت أن الإنسان في باطنه هذه الأربعة،
فيجب أن يراقب حركاته وسكناته،
ويعرف من أي الأربعة هو؛
فإن صفاته تحصل في قلبه وتبقى معه إلى يوم القيامة.
وإن بقي من جملة الباقيات الصالحات شيء فهو بذر السعادة،
وإن بقي معه غير ذلك فهو بذر الشقاء.
وابن آدم لا ينفك ولا ينفصل عن حركة أو سكون،
وقلبه مثل الزجاج،
وأخلاق السوء كالدخان والظلمة،
فإذا وصل إليه ذلك أظلم عليه طريق السعادة.
وأخلاق الحسن كالنور والضوء،
فإذا وصل إلى القلب طهره من ظلم المعاصي،

كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  
}أتبع السيئة الحسنة تمحها{
والقلب إما مضيء أو مظلم،
ولا ينجو إلا من أتى الله بقلب سليم.

فصل في عجائب القلب
KEAJAIBAN HATI
اعلم أن للقلب بابين للعلوم:
واحد للأحلام، والثاني لعالم اليقظة.
وهو الباب الظاهر إلى الخارج،
فإن نام غلق باب الحواس،
فيفتح له باب الباطن
ويكشف له غيب من عالم الملكوت،
ومن اللوح المحفوظ؛
فيكون مثل الضوء،
وربما احتاج كشفه إلى شيء من تعبير الأحلام.
وأما ما كان من الظاهر،
فيظن الناس. أن به اليقظة،
وأن اليقظة أولى بالمعرفة،
مع أنه لا يبصر في اليقظة شيء من عالم الغيب،
وما يبصر بين النوم واليقظة أولى بالمعرفة
مما يبصر من طريق الحواس.
فصل القلب مثل المرآة
HATI LAKSANA CERMIN
وتحتاج أن تعرف في ضمن ذلك
أن القلب مثل المرآة،
واللوح المحفوظ مثل المرآة أيضا؛
لأن فيه صورة كل موجود،
وإذا قابلت المرآة بمرآة أخرى حلت صور ما في إحداهما في الأخرى،
وكذلك تظهر صور ما في اللوح المحفوظ إلى القلب
إذا كان فارغا من شهوات الدنيا،
فإن كان مشغولا بها كان عالم الملكوت محجوبا عنه،
وإن كان في حال النوم فارغا من علائق الحواس
طالع جواهر عالم الملكوت؛
فظهر فيه بعض الصور التي في اللوح المحفوظ.
وإذا أغلق باب الحواس كان بعده الخيال؛
لذلك يكون الذي يبصره تحت ستر القشر،
وليس كالحق الصريح مكشوفا
فإذا مات - أي القلب - بموت صاحبه لم يبق خيال ولا حواس.
وفي ذلك الوقت يبصر بغير وهم وغير خيال،
ويقال له: (فَكَشَفنا عَنكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ اليَومَ حَديد).
فصل متى يحجب القلب عن مطالعة عالم الملكوت؟
KAPANKAH HATI TERHALANG MENGENALI ALAM MALAKUT?
واعلم أنه ما من أحد إلا ويدخل في قلبه الخاطر المستقيم،
وبيان الحق على سبيل الإلهام.
وذلك لا يدخل من طريق الحواس،
بل يدخل في القلب،
لا يعرف من أين جاء؛
لأن القلب من عالم الملكوت،
والحواس مخلوقة لهذا العالم }عالم الملك{ .
فلذلك يكون حجابه عن مطالعة ذلك العالم
إذا لم يكن فارغا من شغل الحواس.

فصل متى يطالع القلب عالم الملكوت؟
KAPANKAH HATI  MENGENALI ALAM MALAKUT?

ولا تظنن أن هذه الطاقة تنفتح بالنوم والموت فقط،
بل تنفتح باليقظة لمن أخلص الجهاد والرياضة،
وتخلص من يد الشهوة والغضب
والأخلاق القبيحة والأعمال الرديئة.
فإذا جلس في مكان خال،
وعطل طريق الحواس،
وفتح عين الباطن وسمعه،
وجعل القلب في مناسبة عالم الملكوت،
وقال دائما:  الله - الله – الله
( بقلبه، دون لسانه،
إلى أن يصير لا خير معه من نفسه،
ولا من العالم،
ويبقى لا يرى شيئا إلا الله سبحانه وتعالى
انفتحت تلك الطاقة،
وأبصر في اليقظة الذي يبصره في النوم؛
فتظهر له أرواح الملائكة، والأنبياء،
والصور الحسنة الجملية،
وانكشف له ملكوت السماوات والأرض،
ورأى ما لا يمكن شرحه ولا وصفه،
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
زويت لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغربها
وقال الله عز وجل: (وَكَذلِكَ نُري إِبراهيمَ مَلَكوتَ السَماواتِ وَالأَرض).
لأن علوم الأنبياء عليهم السلام كلها كانت من هذا الطريق،
لا من طريق الحواس،
كما قال سبحانه وتعالى: (وَاِذكُرِ اِسمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّل إِلَيهِ تَبتيلاً)،
معناه: الانقطاع عن كل شيء،
وتطهير القلب من كل شيء،
والابتهال إليه سبحانه وتعالى بالكلية.
وهو طريق الصوفية في هذا الزمان.
وأما طريق التعليم، فهو طريق العلماء.
وهذه الدرجة الكبيرة مختصرة من طريق النبوة،
وكذلك علم الأولياء؛
لأنه وقع في قلوبهم بلا واسطة من حضرة الحق،
كما قال سبحانه وتعالى: (آتَيناهُ رَحمَةً مِن عِندِنا وَعَلَّمناهُ مِن لَدُنّا عِلماً).
وهذه الطريق لا تفهم إلا بالتجربة،
وإن لم تحصل بالذوق لم تحصل بالتعليم.
والواجب التصديق بها حتى لا تحرم شعاع سعادتهم،
وهو من عجائب القلب.
ومن لم يبصر لم يصدق،
قال سبحانه وتعالى: (بَل كَذَّبوا بِما لَم يُحيطوا بِعِلمِهِ وَلَمّا يَأتِهِم تَأويلُهُ)،
وقوله: (وَإِذ لَم يَهتَدوا بِهِ فَسَيَقولونَ هَذا إِفكٌ قَديم).