ETIKA PELAJAR

في آداب المتعلم في نفسه
وهي عشرة أنواع:
الأول: أن يطهر قلبه من كل غش، ودنس، وغل، وحسد، وسوء عقيدة وخلق، ليصلح بذلك لقبول العلم وحفظه والاطلاع على دقائق معانيه وحقائق غوامضه.
فإن العلم كما قال بعضهم: صلاة السر، وعبادة القلب، وقربة الباطن، فكما لا تصح الصلاة التي هي عبادة الجوارح الظاهرة إلا بطهارة الظاهر من الحدث والخبث، فكذلك لا يصح العلم الذي هو عبادة القلب إلا بطهارته عن خبث الصفات وحدث مساوئ الأخلاق ورديها. وقالوا: يطيب القلب للعلم كما تطيب الأرض للزرع، فإذا طيب العلم ظهرت بركته، ونما كما ينمو زرعها، ويزكو إذا طيبت.
وفي الحديث أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب وقال سهل: " حرام على قلب أن يدخله نوَر وفيه شيء مما يكره الله عز وجل " .
الثاني: حسن النية في طلب العلم بأن يقصد به وجه الله عز وجل والعمل به، وإحياء الشريعة، وتنوير قلبه، وتحلية باطنه، والقرب من الله تعالى يوم لقائه، والتعرض لما أعد لأهله من رضوانه، وعظم فضله.
 قال سفيان الثوري: ما عالجت شيئاً أشد من نيتي، ولا يقصد به أغراض الدنيوية من تحصيل الرياسة، والجاه، والمال، ومباهاة الأقران وتعظيم الناس له، وتصديره في المجالس، ونحو ذلك فليستبدل الأدنى بالذي هو خير.
والعلم عبادة من العبادات وقربة من القرب، فإن خلصت فيه النية قبل وزكا ونمت بركته، وإن قصد به غير وجه الله حبط وضاع وخسرت صفقته، وربما كان ذلك سبباً في فوات تلك المقاصد فلا ينالها فيخيب قصده، ويضيع سعيه.
الثالث: أن يبادر شبابه وأوقات عمره فيصرفها إلى التحصيل، ولا يغتر بخدع التسويف والتأمل فإن كل ساعة تمضي من عمره لا بدل لها ولا عوض عنها. ويقطع ما يقدر على قطعه من العلايق الشاغلة والعوايق المانعة عن تمام الطلب وبذل الاجتهاد وقوة الجد في التحصيل، فإنها كقواطع الطريق.
 ولذلك استحب السلف التغرب عن الأهل والبعد عن الوطن تقليلاً للشواغل، لأن الفكرة إذا توزعت قصرت عن درك الحقائق، وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، ولذلك يقال العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك.
الرابع: أن يقنع من القوت بما تيسر، وإن كان يسيراً، ومن اللباس بما ستر مثله، وإن كان خلقاً بالصبر على ضيق العيش، ينال سعة العلم ويجمع شمل القلب عن متفرقات الآمال، فتفجر فيه ينابيع الحكم.
وعن الشافعي رحمه الله: لا يطلب أحد هذا العلم بالملك وعز النفس فيفلح، ولكن من طلبه بذل النفس وضيق العيش وخدمة العلماء أفلح. وقال: لا يدرك العلم إلا بالصبر على الذل، ومن آثر طلب العلم على الاحتراف فإن الله يعوضه ويأتيه بالرزق من حيث لا يحتسب. فعن زياد بن حارث الصدائي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: من طلب العلم تكفل الله برزقه. أخرجه الخطيب في الجامع
 الخامس: إن يقسم أوقات ليله ونهاره، ويغتنم ما بقي من عمره، فإن بقية العمر لا قيمة لها، وأجود الأوقات للحفظ الأسحار، وللبحث الأبكار، وللكتابة وسط النهار، وللمطالعة والمذاكرة الليل، وحفظ الليل أنفع من حفظ النهار، ووقت الجوع أنفع من وقت الشبع، وأجود الأماكن للحفظ كل مكان بعيد عن الملهيات، كالنبات، والخضرة، والأنهار، وقوارع الطرق، وضجيج الأصوات، لأنها تمنع من خلو القلب غالباً.
السادس: من أعظم الأسباب المعينة على الاشتغال والفهم وعدم الملال، أكل القدر اليسير من الحلال. قال الشافعي رحمه الله: ما شبعت منذ ست عشرة سنة، وسبب ذلك، إن كثرة الأكل جالبة لكثرة الشرب، وكثرته جالبة للنوم، والبلادة، وقصور الذهن، وفتور الحواس، وكسل الجسم، هذا مع ما فيه من الكراهة الشرعية، والتعرض لخطر الأسقام البدنية كما
قال:
فإن الداء أكثر ما تراه ... يكون من الطعام أو الشراب
ومن رام الفلاح في العلم وتحصيل البغية منه، مع كثرة الأكل والشرب والنوم، فقد رام مستحيلاً في العادة. والأولى أن يكون أكثر ما يؤخذ من الطعام، ما ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال، ما ملأ ابن آدم وعاء، شراً من بطن، حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه، رواه الترمذي، فإن زاد فهو إسراف. وقد قال تعالى: (كلوا واشربوا ولا تسرفوا). قال بعض العلماء: جمع الله الطب كله بهذه الكلمة.
 السابع: إن يأخذ نفسه بالورع في جميع شأنه ويتحرى الحلال في طعامه وشرابه ولباسه ومسكنه، وفي جميع ما يحتاج إليه هو وعياله ليستثير قلبه، ويصلح لقبول العلم ونوره، والنفع به ولا يقنع لنفسه بظاهر الحل شرعاً، مهما أمكنه التورع، ولم تلجه حاجة، بل يطلب الرتبة العالية، ويقتدي بمن سلف من العلماء الصالحين في التورع عن كثير مما كانوا يفتون بجوازه، وأحق من اقتدى به في ذلك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، حيث لم يأكل التمرة التي وجدها في الطريق خشية إن تكون من الصدقة، مع بعد كونها منها، ولأن أهل العلم يقتدي بهم ويؤخذ عنهم، فإذا لم يستعملوا الورع فمن يستعمله ؟
الثامن: إن يقلل استعمال المطاعم التي هي من أسباب البلادة، كالتفاح الحامض، والباقلا، وشرب الخل، وكذلك ما يكثر استعماله البلغم المبعد للذهن، ككثرة الألبان والسمك ونحو ذلك، ويجتنب ما يورث النسيان بالخاصة كأكل اثر سور الفار، وقراءة ألواح القبور، والدخول بين جملين مقطورين، وإلقاء القمل حية، ونحو ذلك من المجريات.
 التاسع: إن يقلل نومه ما لم يلحقه ضرر في بدنه وذهنه، ولا يزيد في نومه في اليوم والليلة عِلى ثمان ساعات، وهي ثلث الزمان، فإن احتمل حاله أقل من ذلك فعل، ولا بأس إن يريح نفسه وقلبه وذهنه وبصره إذا أكل شيئاً من ذلك، أو ضعف بتنزه وتفرج في المستنزهات بحيث يعود إلى حاله ولا يضيع عليه زمانه، وكان بعض أكابر العلماء يجمع أصحابه في بعض أماكن التنزه في بعض أيام السنة، ويتمازحون بما لا يضرهم في دين ولا عرض. ويتجنب ما يعاب من الهزل والبسط بالفعل وفرط التمطي، والتمايل على الجنب والقفا والضحك الفاحش بالقهقهة.
العاشر: إن يترك العشرة، فإن تركها من أهم ما ينبغي لطلب العلم، ولا سيما لغير الجنس، وخصوصاً لمن كثر لعبه وقلت فكرته، فإن الطباع شر آفة، وآفة العشرة ضياع العمر بغير فائدة، وذهاب المال والعرض إن كانت لغير أهل، وذهاب الدين إن كانت لغير أهله.
 SUTEJO IBNU PAKAR AL-MAWAHIB

0 Response to "ETIKA PELAJAR"

Posting Komentar